القانون الانتخابي الجديد يقصي المرأة من المشهد السياسي التونسي

سارة جلالي _ تونس

مشاركة المرأة التونسية في الانتخابات التشريعية سنة 2019 

جاء القانون الانتخابي الجديد الذي أثار تأخر صدوره تخوف الفاعلين السياسيين وكل مكونات المجتمع المدني، فوق كل التوقعات إذ ألغى نظام الاقتراع على القائمات واستُبدل بالاقتراع على الأفراد . مما يدفعنا إلى طرح عدة تساؤلات عن حضور المرأة في المشهد السياسي بعد أن كان التناصف الأفقي في نظام القائمات في المحطات الانتخابية السابقة لسنة 2014 و2019 ضامنا لوجودها بفرص متكافئة. فهل أقصى سعيّد التونسيات من البرلمان بالقانون الانتخابي الجديد؟ 

تشريك صوري للمرأة

حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص على حساب النوع الإجتماعي كلها حقوق يناضل التونسيين والتونسيات من أجل افتكاكها منذ الاستقلال. ولعل التاريخ شاهد على الدور المحوري الذي لعبته المرأة التونسية في النهوض بمكانتها في المجتمع من خلال نضالاتها سوى لفرض تواجدها في المشهد السياسي أو التمتع بحقوقها. لكن حسب الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن هيئة الانتخابات  يتبين لنا  التفاوت الكبير بين عدد المترشحين من النساء والرجال. كما أن المشهد السياسي القادم ينبئ على هيمنة ذكورية وبرلمان ذكوري حسب ما صرحت به نائلة الزغلامي

وفي ما يلي رسم بياني يبرز تباين تمثيلية النساء في البرلمان التونسي من 2011 إلى حدود 2019.

 تباين تمثيلية النساء في البرلمان التونسي 2019-2011 

بالرجوع إلى دستور 2014 فإن الفصل 34 منه ينص على أن “الدولة تضمن تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة” وحسب ما جاء في الفصل 46  فإن “الدولة تلتزم بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها كما تضمن تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات بالإضافة إلى أنها تسعى لتحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة” .شكليا يعتبر القانون الانتخابي لسنة 2022 منصفا لكلا الطرفين ضامنا لحقوق المرأة والرجل على حد السواء لكن فعليا الظروف المتاحة لا تضمن تكافؤ الفرص بينهما لتحقيق نفس الظروف لكلاهما.

 منذ صدور المرسوم 55 المتعلق بالقانون الانتخابي وبعد بضع أيام من انطلاق تقديم الترشحات وإعلان هيئة الانتخابات عن ابتداء فترة جمع التزكيات تحركت عدة منظمات للتنديد بما يمكن أن يؤول إليه المشهد السياسي التونسي بعد تغيير النظام الانتخابي كما دعت الجمعيات النسوية المنتمية للديناميكية النسوية إلى مراجعة القانون الإنتخابي الجديد وأن يتمّ إعتماد ”نظام اقتراع زوجي ”في جميع الاستحقاقات الانتخابية القادمة بما في ذلك مجلس الجهات والأقاليم والمجالس البلدية. 

في مجتمع اتفق غالبية النشطاء أنه مجتمع “أبوي “لا تتساوى فيه الحقوق بين الجنسين تقول المحامية والناشطة الحقوقية بشرى بالحاج حميدة “سيكون لنا مجلس نواب ذكوري في مجتمع لا تملك المرأة مصدر دخل اقتصادي يخول لها خوض مرحلة انتخابية بنفس الفرص والوصول إلى مراكز القرار كما شددت بالحاج حميدة على ضرورة إرساء التناصف في المجالس المنتخبة بعد ما وصفته بالتراجع على أهم المكاسب في تاريخ تونس لأول مرة منذ الإستقلال مصرحة أنه لابد من آلية تفرض التمييز الإيجابي على مستوى النوع الاجتماعي.

 

مرحلة انتخابية وصفها البعض بأنها تشريك صوري للمرأة التونسية اقتصر على التزكيات فقط التي فُرض أن تكون نصفها نساء وتعالت أصوات  الناشطات ضمن الديناميكية النسوية ومنظمات المجتمع المدني على غرار أصوات نساء وجمعية النساء الديمقراطيات مؤخرا في وقفة احتجاجية أمام المقر المركزي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات رافعين شعار”نحن مواطنات كاملات لن نقبل أن نكون مجرد مزكيات”.

الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها الديناميكية النسوية أمام هيئة الإنتخابات يوم 7 أكتوبر 2022

الديناميكية النسوية أصدرت بيانا في الغرض اعتبرت فيه أن القانون الانتخابي  سيكون بمثابة الثغرة ويساهم في ترشح أصحاب الوجاهة والمال المبني على أساس العلاقات العائلية وعلى العروشية كما سيفرز مشهداً سياسياً لا يختلف عن المشهد السياسي الذي أفرزته الانتخابات التشريعية لسنة 2019، إن لم يكن أسوأ منه”.

تصريح نائلة الزغلامي 

في المقابل تواصل رابطة الناخبات التونسيات الدفاع على مبدأ تكافؤ الفرص وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية للوصول إلى مراكز القيادة وصنع القرار كما صرحت نائبة رئيسة الرابطة تركية بن خذر أن قانون الانتخابات سيحد من مشاركة النساء لتضمنه عدة عراقيل وصعوبات بدأً من التزكيات وما تواجهه المترشحات رغم قلة عددهم وصولا إلى غياب الدعم المادي بعد إلغاء التمويل العمومي الذي كان حسب تعبيرها ضامنا للمساواة بين الجنسين وبين كل الأطراف المترشحة.

تصريح تركية بن خذر عن رابطة الناخبات التونسيات

صعوبات وشروط مجحفة فرضها المرسوم 55

في أواخر أيام تقديم الترشحات يتواصل التباين في عدد المترشحين من النساء والرجال مع الصعوبات التي قد يواجهها كلاهما في جمع التزكيات فحسب ما صرح به الناطق الرسمي باسم الهيئة المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري امكانية بقاء بعض الدوائر الانتخابية في الخارج دون مترشحين للانتخابات التشريعية بسبب صعوبة تطبيق شروط التزكيات رغم تمديد آجال قبول الترشحات بثلاثة أيام.

احصائيّات قبول الترشحات لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب في اليوم الثامن حسب موقع الهيئة المستقلة للانتخابات.

فيما تحدث مترشحين آخرين عن الصعوبات التي فرضها المرسوم الانتخابي والتي تفتح بدورها بابا للتلاعب بالثغرات القانونية وتوظيف المالي السياسي وفق ما عبر عنه رئيس الجمهورية ب”شراء الذمم”.

الصعوبات لم تقتصر على الدوائر الانتخابية في الخارج بل أيضا طالت المترشحات من النساء اللواتي واجهن مشاكل على مستوى الدعم والثقة في جمع التزكيات .

خديجة ڨاسمي امرأة تونسية أصيلة مدينة المحمدية مترشحة للانتخابات التشريعية على دائرة المحمدية. مقعد وحيد تتنافس عليه امرأتين و ستة رجال في دائرة انتخابية تضم 120 ألف ساكن كان لنا لقاء معها وحدثتنا عن التحديات التي واجهتها في منطقتها خلال فترة جمع التزكيات.

في نهاية فترة الترشح للمرحلة الانتخابية التشريعية تتضح ملامح المشهد السياسي المقبل إذ أصدرت هيئة الإنتخابات احصائياتها الأخيرة وتبين أن 11,5% هي نسبة مشاركة المرأة في الإنتخابات التشريعية كما تم إسقاط نسبة  42% من ترشحات النساء بسبب شروط الترشح المجحفة التي منعتهم من جمع التزكيات بسبب النوع الاجتماعي وبسبب منع التمويل العمومي للمترشحين حسب إحصائيات نشرها  المركز التونسي المتوسطي. ولن تقف الصعوبات حد خديجة أو نظيرتها عن دائرة المحمدية بل ستواجه كل النساء اللواتي اخترن الترشح لمنصب نائب شعب وهذا يعود إلى طبيعة المجتمع التونسي.

 

Read Previous

سافران تونس للابتكار مستقبل نظام بيئي وتكنولوجي في عام 2050

Read Next

وفاة والدة الحارس السابق جاسم الخلوفي

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Most Popular